hassan Admin
عدد المساهمات : 190 نقاط : 17652 تاريخ التسجيل : 29/04/2009 العمر : 32 الموقع : المنصورة
| موضوع: الصفات والأخلاق - كمال النفس ومكارم الأخلاق الإثنين 24 أغسطس 2009, 7:11 am | |
| كان النبي يمتاز بفصاحة اللسان ، وبلاغة القول ، وكان من ذلك بالمحل الأفضل ، والموضع الذي لا يجهل ، سلامة طبع ، ونصاعة لفظ ، وجزالة قول ، وصحة معان ، وقلة تكلف ، أوتي جوامع الكلم ، وخص ببدائع الحكم ، وعلم ألسنة العرب ، يخاطب كل قبيلة بلسانها ، ويحاورها بلغتها ، اجتمعت له قوة عارضة البادية وجزالتها ، ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها ، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي .
وكان الحلم والاحتمال ، والعفو عند المقدرة ، والصبر على المكاره ، صفاتٌ أدبه الله بها ، وكل حليم قد عرفت منه زلة ، وحفظت عنه هَفْوَة ، ولكنه لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبراً ، وعلى إسراف الجاهل إلا حلماً ، وقالت عائشة : ما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه ، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها . وكان أبعد الناس غضباً ، وأسرعهم رضاً .
وكان من صفة الجود والكرم على ما لا يقادر قدره ، كان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ، قال ابن عباس : كان النبي أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة . وقال جابر : ما سئل شيئاً قط فقال : لا .
وكان من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لا يجهل ، كان أشجع الناس ، حضر المواقف الصعبة ، وفر عنه الكماة والأبطال غير مرة ، وهو ثابت لا يبرح ، ومقبل لا يدبر ، ولا يتزحزح ، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فَرَّة ، وحفظت عنه جولة سواه ، قال علي : كنا إذا حمي البأس واحمرت الحَدَقُ ، اتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه . قال أنس : فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق ناس قِبَلَ الصوت ، فتلقاهم رسول الله راجعاً ، وقد سبقهم إلى الصوت ، وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي ، في عنقه السيف ، وهو يقول : ( لم تُرَاعوا ، لم تُرَاعوا ) .
وكان أشد الناس حياء وإغضاء ، قال أبو سعيد الخدري : كان أشد حياء من العذراء في خِدْرها ، وإذا كره شيئاً عرف في وجهة . وكان لا يثبت نظره في وجه أحد ، خافض الطرف . نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جُلُّ نظره الملاحظة ، لا يشافه أحداً بما يكره حياء وكرم نفس ، وكان لا يسمي رجلاً بلغ عنه شيء يكرهه ، بل يقول . ( ما بال أقوام يصنعون كذا ) .
وكان أحق الناس بقول الفرزدق :
يغضي حياء ويغضي من مهابته فـلا يكلـم إلا حين يبتسـم
وكان أعدل الناس ، وأعفهم ، وأصدقهم لهجة ، وأعظمهم أمانة ، اعترف له بذلك مجاوروه وأعداؤه ، وكان يسمى قبل نبوته الأمين ، ويُتَحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام ، روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له : إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب بما جئت به ، فأنزل الله تعالى فيهم : فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] وسأل هرقل أبا سفيان ، هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا .
وكان أشد الناس تواضعاً ، وأبعدهم عن الكبر ، يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك ، وكان يعود المساكين ، ويجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس في أصحابه كأحدهم ، قالت عائشة : كان يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته ، وكان بشراً من البشر يَفْلِي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه .
وكان أوفى الناس بالعهود ، وأوصلهم للرحم ، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس ، أحسن الناس عشرة وأدباً ، وأبسط الناس خلقاً ، أبعد الناس من سوء الأخلاق ، لم يكن فاحشاً ، ولا متفحشاً ، ولا لعاناً ، ولا صخاباً في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان لا يدع أحدا يمشي خلفه ، وكان لا يترفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس ، ويخدم من خَدَمَه ، ولم يقل لخادمه أف قط ، ولم يعاتبه على فعل شيء أو تركه ، وكان يحب المساكين ويجالسهم ، ويشهد جنائزهم ، ولا يحقر فقيراً لفقره . كان في بعض أسفارة فأمر بإصلاح شاة ، فقال رجل : على ذبحها ، وقال آخر : على سلخها ، وقال آخر على طبخها ، فقال : ( وعلي جمع الحطب ) ، فقالوا : نحن نكفيك . فقال : ( قد علمت أنكم تكفوني ولكني أكره أن أتميز عليكم ، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه ) ، وقام وجمع الحطب .
ولنترك هند بن أبي هالة يصف لنا رسول الله ، قال هند فيما قال : كان رسول الله متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ، ولا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ـ لا بأطراف فمه ـ ويتكلم بجوامع الكلم، فصلاً ، لا فضول فيه ولا تقصير ، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين ، يعظم النعمة وإن دقت ، لا يذم شيئاً ، ولم يكن يذم ذواقاً ـ ما يطعم ـ ولا يمدحه ، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له ، لا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها ـ سماحة ـ وإذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام .
وكان يخزن لسانه إلا عما يعنيه ، يؤلف أصحابه ولا يفرقهم ، يكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره .
يتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويصوبه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر ، غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ، ولا يجاوزه إلى غيره .
الذين يلونه من الناس خيارهم ، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة .
كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن ـ لا يميز لنفسه مكاناً ـ إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، وقد وسع الناس بسطه وخلقه ، فصار لهم أباً ، وصاروا عنده في الحق متقاربين ، يتفاضلون عنده بالتقوى ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم ـ لا تخشى فلتاته ـ يتعاطفون بالتقوى ، يوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويرفدون ذا الحاجة ، ويؤنسون الغريب .
كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صَخَّاب ، ولا فحاش ، ولا عتاب ، ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، ولا يقنط منه . قد ترك نفسه من ثلاث : الرياء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : لا يذم أحداً ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه ، كأنما على رؤوسهم الطير ، وإذا سكت تكلموا . لا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويعجب مما يعجبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق ، يقول : إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه ، ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ .
وقال خارجة بن زيد : كان النبي أوقر الناس في مجلسه ، لا يكاد يخرج شيئاً من أطرافه ، وكان كثير السكوت ، لا يتكلم في غير حاجة ، يعرض عمن تكلم بغير جميل ، كان ضحكه تبسماً ، وكلامه فصلاً لا فضول ولا تقصير ، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيراً له واقتداء به .
وعلى الجملة ، فقد كان النبي محلى بصفات الكمال المنقطعة النظير ، أدبه ربه فأحسن تأديبه ، حتى خاطبه مثنياً عليه فقال : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس ، وحببه إلى القلوب ، وصيره قائداً تهوي إليه الأفئدة ، وألان من شكيمة قومه بعد الإباء ، حتى دخلوا في دين الله أفواجاً .
وهذه الخلال التي أتينا على ذكرها خطوط قصار من مظاهر كماله وعظيم صفاته ، أما حقيقة ما كان عليه من الأمجاد والشمائل فأمر لا يدرك كنهه ، ولا يسبر غوره، ومن يستطيع معرفة كنه أعظم بشر في الوجود بلغ أعلى قمة من الكمال ، استضاء بنور ربه ، حتى صار خلقه القرآن ؟
| |
|